عجائز الطرابندو..في قبضة الدرك

الكارثة مدوية بكل المقاييس.. عجائز في أرذل العمر اشتعل رأسهن شيبا واشتدت ظهورهن انحناء، يحترفن التهريب بكل أنواعه، مستغلات بذلك سنهن ومنظرهن الموحي بالوقار والضعف أحيانا والمثير للشفقة والرأفة، مستعملات بذلك بطاقات العجز المرضي لتمويه وتغليط مصالح الأمن للإفلات من قبضة القانون، وقضين بمكرهن على كل الصعاب التي انتصبت أمامهن، لكن دوام الحال من المحال.

هي مشاهد وقفت عليها "الشروق" خلال حضورها عملية توقيف 5 مهربات طاعنات في السن تتراوح أعمارهن مابين65 و73 سنة من طرف مصالح الدرك الوطني للفرقة الإقليمية التابعة للدرك الوطني بعين البرد بسيدي بلعباس، أول أمس، في حدود الساعة الثانية بعد الزوال، خلال حاجز أمني على مستوى الطريق الوطني رقم 13 المحول إلى الطريق السيار "شرق ـ غرب" في المنطقة المسماة "برتقالة" أين قامت نفس المصالح بتفتيش الحافلات القادمة من مدينة سيدي بلعباس اتجاه وهران وغليزان، حيث حجزت خلالها 50 قطعة من الأواني نحاسية الصنع من النوع الرفيع،286 زوج من الأحذية المختلفة، إلى جانب كمية معتبرة من بناطيل من نوع "الجينز" والبدلات الرياضية، تم تهريبها من الحدود الجزائرية المغربية.

ترقب وحذر ووجوه مصفرة لمهربات "الكولدن برات"

خيرة، حفيظة، فاطمة، فتيحة، ميمونة، مهرّبات، يعملن لصالح تجار التجزئة ويستغللن من طرف مافيا التهريب، ويواجهن نيابة عنهم مخاطر الطريق وإهانة المنحرفين، كل ذلك مقابل ربح بسيط أو نسبة مئوية صغيرة متفق عليها.. إنهن مهربات الكولدن برات" كما بات يطلق عليهن في أوساط شبكات التهريب.

بمساعدة قائد كتيبة الدرك الوطني بعين البرد، موسى كعبش، الذي وفر لنا كل الإمكانات للوصول إلى جمع أقصى المعلومات عن عمل هذه المهربات، تمكنا من الحديث على انفراد إلى كل واحدة منه.

البداية كانت مع الحاجة "فتيحة" البالغة من العمر66 سنة، تعمل منذ أكثر من11سنة في مجال تهريب السلع (الألبسة والأحذية) من الحدود الجزائرية المغربية، بصعوبة كبيرة نجحنا من نزع بعض الحقائق منها، بعد أن أكدنا لها أن الكشف عن الحقيقة ومساعدتها لنا كمحققين سوف يخفف عنها العقوبة، حيث قالت لنا والسيجارة في فمِها "ماذا عساني أفعل؟ فأنا أخوض صراعا مع الزمن واللصوص، من أجل قوت عائلتي المتكونة من 8 بنات عازبات، خاصة أن زوجي توفى منذ زمن بعيد، فعلي من جهة أن أستغل الوقت الضيق المتاح لي قبل حلول الظلام في التبضع واقتناء ما هو مطلوب من طرف التجار الذين أتعامل معهم في سوق "زوية" القريب من الحدود المغربية والتي في الغالب ما تكون عبارة عن أحذية وبناطيل "الجينز" والبدلات الرياضية.. وعلي من جهة أخرى، أن أكون يقظة وأحرس جيبي حتى لا تندس إليه يد رشيقة اعتادت هذا النوع من "الخدمة" فتسلبني مالي ويضيع بذلك الرأسمال والربح الذي سأجنيه من خلال توزيع السلعة التي اقتنيتها على تجار التجزئة الذين أتعامل معهم، على غرار المدينة الجديدة بوهران والقليعة وباب الوادي بالجزائر العاصمة".



وعن سؤلنا بخصوص علاقتها وتعاملها مع شبكات التهريب عبر الحدود قالت: "هم جنود الخفاء، لا يمكن لأحد أن يعمل معهم مباشرة إلا عن طريق وسطاء يجلبون لنا السلع المتفق عليها من سوق "زوية"، ونقوم نحن بدورنا بجلبها وتوزيعها على تجار التجزئة، وبطيبعة الحال، بعد أن انفضح أمر المهربين عند مصالح الأمن في استغلال سيارات الأجرة في عملية تهريب، توجهنا نحو حافلات المسافرين وكذا القطارات، لكنني وقعت في الفخ أربع مرات وأخلي سبيلي، ولا أعرف مصيري هذه المرة".

"الزوية" نقطة تلاقي العجائز المهربات

ومن جهتها، فإن الجدة "خيرة" البالغة من العمر73سنة والتي تمارس هذا النشاط منذ أكثر من 5 سنوات، حيث كانت تقوم بجلب سلعتها من الحدود الجزائرية المغربية وبالضبط في سوق "زوية" منطقة التلاقي مع المهربين على حد قولها صرحت لنا بلهجة ممزوجة بالغضب ووجه مصفر "أولا يجب أن يُمحى "الترابندو" من على وجه الأرض ويوفروا لنا مانسد به رمقنا، حتى نكف عن هذا العمل، فأنا عجوز مسؤولة عن 4 أطفال تركهم لي ابني الذي وافته المنية على إثر حادث مرور، فهل أسرق أم ماذا..؟".

وتضيف محدثتنا قائلة: "الله غالب يابنتي أطلقوا سراحي، فأنا مريضة بالقلب والسكر، ولدي بطاقة تثبت صحة أقوالي، ولا أعرف جيدا الشبكات التي تعمل مع الوسطاء الذين يجلبون لنا السلعة، فهم في الأساس لا يظهرون في الصورة، ولا يمكن أن نصل نحن إليهم بسهولة حتى لا ينكشف أمرهم فنحن الضحايا في كل هذا..".

أما الحاجة ميمونة، 68 سنة، والمختصة في تهريب الأواني النحاسية، فقد كشفت لنا أنها تمارس هذا العمل منذ6 سنوات، حيث تقصد سوق "زوية" مرتين في الأسبوع وتقتني الأواني النحاسية من أحد المهربين المغاربة، لتقوم ببيعها لمحلات بيع النحاس بسيدي بلعباس "أنا لا أستطيع أن أمد يدي للناس، مع أنني لم أجد في وقت مضى ما أسد به رمقي، ومع ذلك فإن شبكات التهريب "دايرة حالة" في زوية وأنتم لا تعرفون غير الحاجة ميمونة البالغة من العمر عتيا".

وبصعوبة كبيرة، أقنعنا السيدة "فاطمة" البالغة من العمر 65 سنة، والتي تتردد على سوق "زوية " مرة في الأسبوع، لإقتناء البدلات، فسألناها "ترى ما الذي أتى بك إلى هنا وأنت في هذا السن؟ فأجابت بعبارات قصيرة: "قسوة الحياة ونفقة الأولاد"، ومضت تقول بصوت مُتعب: "ليست هذه مهنتي الأصلية، فأنا كنت أعمل في شركة خاصة، ولم أعد أقدر على تحمل المشقة، ولهذا أصبحت أمارس مهنة "الترابانديست" لأكسب قوت عيشي وعيش زوجي الذي بلغ من العمر هو أيضا عتيا".

وعن كيفية عملها قالت لنا: "أنا أعمل مع المهربين المغاربة الذين يجلبون لي السلعة دون أن أدفع فيها سنتيما، أي أن عامل الثقة متواجد بيننا ثم أستقل الحافلة المتوجهة من تلمسان اتجاه وهران، أين أسلم السلعة لبعض أصحاب المحلات المتواجدة بالمدينة الجديدة بوهران، حيث يدفعون لي ثمن السلعة وأستفيد أنا من هامش الربح".

وكانت اخر من تحدثنا إليها هي السيدة "حفيظة" التي تبلغ في العمر70سنة، التي سارعت في القول وعيناها تفيضان من الدموع: "لقد صادر رجال الدرك بضاعتي المهربة ولم يتركوا لي شيئا، رغم أنني ولجت هذا العمل قبل سنة واحدة فقط تحت ضغط مصاريف الأبناء والكراء وانسداد أبواب العمل، بعدما كنت في السابق أعمل في إحدى الشركات العمومية التي أقفلت أبوابها".

وعندما سألناها هل ما تمارسه يدخل في خانة التهريب ويعاقب عليها القانون؟ ردت علينا قائلة: "ماذا عساني أفعل وأنا أم لـ9 أولاد، منهم 4 بنات، لا يمارسون أي عمل ينتظرون ما أجلبه أنا من ملبس ومأكل".

وعن عملها مع المهربين، أكدت لنا عن ترددها مرتين في الأسبوع على سوق "زوية"، أين تقتني السلعة اللازمة من المهربين الجزائريين والمغاربة الذين تتعامل معهم قبل آذان الفجر قبل أن تستقل الطريق الرابط بين مغنية ووهران مرورا بسيدي بلعباس لتوزيعها على تجار التجزئة بالمدينة الجديدة بوهران.

وبخصوص رؤوس شبكات التهريب التي تتعامل معهم، أكدت لنا أنها لا تعرفهم، لأنها عادة ماتعمل رفقة زميلاتها مع الوسطاء فقط.

بطاقة العجز المرضي للهروب من عدالة القانون
المهربات الطاعنات سيجدن أنفسهن خلف القضبان بعدما وجهت لهن تهمة تهريب السلع الأجنبية، وفي هذا السياق، كشف لنا النقيب موسى كعبش قائد كتيبة الدرك الوطني بعين البرد، أن الطاعنات في السن يقعن في الكثير من الأحيان في أيدي أشخاص لا ضمائر لديهم يستغلون ظروفهن الصعبة لجرهن إلى عالم الإجرام، مضيفا أن شبكات ومافيا التهريب توفر لهن بطاقات العجز 100 / 100 كطريقة للإفلات من عقوبة العدالة.